شرف الخصومة

كتب : مهند الصالح
لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من تشرين اول المقبل سوى اسابيع قليلة فيما يحتدم الصراع بين المتنافسين على الفوز بمقعد برلماني الى درجة وصلت الى الاستعانة باساليب لا أخلاقية يندى لها الجبين مثل التشهير بالاعراض والسب والشتم والتسقيط في سابقة ربما لم تعهدها الانتخابات السابقة بهذا الشكل الخالي من ادنى قواعد شرف الخصومة
ان الدرس الأول في كتاب الأخلاق الذي يجب أن يتعلمه النشئ هو ان لا يغالي في الخصومة مع أقرانه، وأن يقول الحق ولو على نفسه، وأن يضع نفسه في موقع الآخر.. كتاب الأخلاق يجب أن يكون حاضراً سواء في مؤسسات التربية والتعليم وفي نطاق الأسرة وفي شروط الترشح للانتخابات..
ان الحديث الشريف، جعل الفجور آية من آيات المنافق حين يخاصم وهي اشارة واضحة وتنبيه حاضر على الدوام بخطورة هذا السلوك المضطرب على المجتمع وما يمكن ان يؤول اليه من كوارث ومصائب كبرى.
تتنوع المغالات في الخصومة، بقدر تمكن نزعة الانتقام الأعمى، وهو أعمى حقاً، وكم دفع المجتمع من ثمن باهظ، وكم ذهب في طريقة من ضحايا، وكم شوه علاقات البشر حتى صارت إلى شهوة انتقام لا تهدأ ولا تركن لعقل ولا حق ولا قانون.
هنا نجد ان التنشئة الاجتماعية لها دور كبير في هذا الموضوع
من يشجع ابنه على أخذ حقه بيده -مع التحفظ على كلمة حق- لأن الحقيقة والحق أولى ضحايا الخصومات، ومن يتراخى في مواجهة سلوك ابنه أو يثير فيه نزعة المواجهة دون ضمير يقظ أو استدراك إنما يزرع بذرة المغالات في الخصومة.. التي سيدفع ثمنها الابن والأسرة والمجتمع لكن هي من يؤسس لذهنية المغالات في الخصومة، وكم من جريمة إيذاء فادح في النفس والممتلكات كان دافعها المغالات في الخصومة، تغذيه أحقاد لا تهدأ.. تجد من ينفخ في رمادها لإشعال جذوتها وإضرام حرائقها.
ومن العوامل التي تؤثر سلباً في الخصومات، هو الاستخدام السيئ للسلطة -أياً كان نوع تلك السلطة سواء كانت معنوية أو مادية أو اجتماعية- التي قد تمكن من تجاوز الحد والاستغراق في وضع الآخر/ الخصم في موقع يتعرى فيه من عوامل القوة لتتحرك شهية الانتقام.. “وعلي وعلى أعدائي” خير تعبير عن رد الفعل الأقرب للجنون أحياناً.
وهذا مانشاهده يوميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتراشق في برامج الفضائيات بين مرشحي الاحزاب او بين هذه الكتلة او تلك
وأخطر أنواع المغالات في الخصومة بين من يملك القوة والوسيلة ويوظفها لصالحه في سبيل إيقاع أفدح الأذى بالخصم، وبين عارٍ من تلك القوة أو المقدرة مهما كانت درجة الخطيئة أو نوع الارتكاب.
حشد الأدلة المزورة وتلفيق الوقائع، علامة تستحق التوقف في تحليل شخصيات أولئك المنزوعة عن عقولهم وأخلاقهم شرف الخصومة.
ا فلا محالة أن هذا الوضع يعزز نزعة أخذ الحق باليد، وهذا لا يعني في النهاية سوى تكريس شرعة الغاب.. الأقوى يلتهم الضعيف والضعيف تعميه شهوة الانتقام..
والمغالات مع الخصوم، ليس فقط إيذاء مادياً مباشراً عبر وسائل وطرق غالباً ما يمارسها المتنافسون ولكن أحياناً يكون إيذاء نفسياً من خلال بث الإشاعات وتشويه السمعة، والحط من الكرامة وتوزيع الاتهامات جزافاً والترويج لها وغيرها.. من أساليب تأنف منها النفوس الكريمة.. ومع شيوع وسائل التواصل الاجتماعي أصحبت ظاهرة تشويه السمعة والابتزاز والانتهازية ظاهرة جلية لا تحتاج لكثير بيان.
المغالات في الخصومة لا يمكن التعامل معه إلا من خلال: تنشئةاجتماعية وتعليمية تهتم بهذا الجانب، وتوليه جل عنايتها.. لبناء نفوس تمقت المغالات في الخصومة، وتبحث عن العدالة من خلال وسائل مشروعة في حال وقوع الضرر.
أما العامل الآخر الذي يجب أن يكون حاضراً لمحاصرة هذه النزعة القاتلة، فهو تكريس النظام والقانون وسد الثغرات التي يعبث بها بعض الخصوم، كلما تعززت دولة العدل والقانون كلما تراجعت نزعة المغالات في الخصومات لأن الثمن سيكون مكلفاً

آخر الأخبار