التعارض بين الدستور الحالي والشرع … عصام الحسيني الياسري

المقالة -1- اختيار السلطة التنفيذية:
تذكر المادة 2 من الدستور ان “الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع” ، وتقول في الفقرة-أ منها: “لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام”، وفي الفقرة-ب تقول: “لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية”. ان هذا اول التضييع الذي يتسم به هذا الدستور، فماذا لو تعارضت القوانين الاسلامية مع المفاهيم الديموقراطية؟ لمن سيكون المرجع؟ ولمن نقدم في الرأي؟ ان الدستور يسكت عن هذا الامر. ولنذكر هنا مثالا: تذكر المادة 76- أولاً، من الدستور العراقي: انه “يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية” .اي ان هذه المادة من الدستور ارجعت تشكيل السلطة التنفيذية الى نواب الكتلة الاكبر في البرلمان. وهذا تقليد سائد في نظام الديموقراطية البرلمانية.
ولنا ان نسئل من الناحية الشرعية هل يجوز ان يقوم النواب عن الشعب بتعيين رأس السلطة التنفيذية؟ أم أنه يجب ان يكون منتخبا من الشعب بشكل مباشر؟ يمكن ان نناقش هذه المادة من ناحية شرعية فنقول:
1- ان الشق الخاص بفعلية تحقق الولاية السياسية في الاسلام، والذي يُنظر عادة في مبحث الشورى، يكون متعلقا بالأمة، ويدور مدار اختيارها لنفسها، ويتأكد بشكل أكبر حول السلطة التنفيذية، وبالتالي فان اختيار هذه السلطة التنفيذية منوط بالأمة أولا.
2- حيث ان رئيس السلطة التنفيذية لابد ان يتعامل مع الشعب بشكل مباشر، فيقوموا سويا بإنفاذ القوانين والاصلاحات والنظم، فلابد من القول: إنه يجب ان يكون منتَخَبا من الشعب مباشرة أيضا.
3- ان عمومات أدلة وجوب رضا الامة، وولاية الناس على أنفسهم، والتي ترد في مبحث الشورى، تشمل فيما تشمل السلطة التنفيذية، فيجب أن يكون للأمة الرأي الفصل في تعيين هذه السلطة، أو رأسها كما هو القدر المتيقن.
4- ان الشواهد الكثيرة من كتاب اللة والسنة النبوية تدل على وجوب استعلام رأي الشعب قبل تعيين هذه السلطة.
قال تعالى: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ….. حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً * قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)). فالقوم الذين كانوا يتعرضون الى ظلم وإفساد يأجوج ومأجوج طلبوا بأنفسهم تعيين ذي القرنين عليه السلام مشرفا على بناء السد بينهم، وعرضوا لذلك خَرجاً أو مالاً لقاء ذلك، لكنه عليه السلام شرط ان يعينوه بما لديهم من القوة، فدل ذلك ان تنفيذ المشاريع انما يحتاج الى التوافق المباشر بين الشعب وبين من ينتخبه للنهوض بالمشاريع الإجرائية الضرورية، وهو ما يحتاج الى الانتخاب المباشر لا التعيين من جهة أخرى تمثل الشعب.
والحق تعالى لما جعل طالوت ملكا لم يفرضه على قومه فرضا، بل ارسل الآيات والشواهد الدالة على مشروعية ملكه، فأرسل التابوت فيه السكينة للقوم، ليرضوا به وينتخبوه حاكما لهم، قال تعالى: ((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)). ولو لم يكن الحق تعالى ناظرٌ لرأي الشعب ما اوحى لنبيه هذه الدلائل والبينات، ولما ارسل التابوت وما فيه من الآيات والمعجزات، فدل ذلك أيضا على اشتراط رضا الغالبية من الشعب وبالتالي وجوب الانتخاب المباشر.
وأما من السنة المطهرة فقد ورد في تأريخ الطبري عن علي عليه السلام أنه قال لجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعوه للبيعة له: ((لا تفعلوا، فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا. فقالوا: لا والله، ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفية ولا تكون إلا عن رضى المسلمين)). وواضح من الخبر أن رضا الناس مما لا مناص عنه في شأن اختيار الحكومة. وهو مما يعارض ما يذهب اليه الدستور الحالي.

آخر الأخبار