محتوى اليوتيوب العربي.. بين مهزلة نقد الأغاني وضعف المضمون!

زينب فخري

 

 

كالنار في الهشيم انتشرت مصطلحات رقمية في الفضاء الافتراضي كنتاج طبيعي للتطور الهائل في تكنلوجيا الاتصالات، ومن بينها تلك المتداولة على نطاق واسع بين مستخدمي الانترنيت، هو “اليوتيوبر”، المعروف أيضاً باسم شخصية يوتيوب أو صانع محتوى اليوتيوب.
ومهمة “اليوتيوبر” نشر مقاطع الفيديو الخاصة به على موقع يوتيوب أملاً باكتساب شعبية؛ فلو حققت مقاطعه نسب مشاهدة مرتفعة؛ فهذا قد يكون سبيلاً لجني أرباح هائلة من خلال الإعلانات التي تتخطى أحياناً نسبة الـ 60% منها.
وتعدّ شبكة اليوتيوب الأكثر شعبية في العالم لنشر المحتوى، ووفقاً لمصادر عديدة، فإنها تحوي من 500 مليون إلى 1.5 مليار فيديو.
وفي هذا السياق أنشئت بعض المواقع المختصة بتطوير محتوى قنوات اليوتيوب وتحسين صناعته، منها socialmediaexaminer، بل ليس من العسير أن تجد بعض “اليوتيوبرز” الرواد قد تطوع بصنع فيديوهات لنصح الشباب والمبتدئين، ولا يترددون بوضع عصارة تجاربهم أمام زملاء المهنة لمدّ يد العون لهم في الحصول على أرباح من قبل شركة يوتيوب أو من شركات الإعلانات بعد تحقيق الشهرة.
ولتعم الفائدة، يشددون مثلاً على ضرورة الالتزام بنشر فيديوات عدَّة في الأسبوع، وبدء كلّ فيديو بما يجذب المشاهدين؛ كأن يظهر “يوتيوبر” النتيجة النهائية أولاً، مع الاهتمام بالعنوانات لتبدو شيقة وجذابة، فضلاً عن وصف الفيديو (شرح محتوى الفيديو قدر الإمكان)، حتى يصل إليه مستخدم الانترنيت بسهولة، كذلك وجوب العناية بجودة الصوت والتصوير والإضاءة وتطوير هذه الأمور باستمرار، وأن يؤلف الـ “يوتيوبر” محتواه بنفسه وعدم تقليد الآخرين، كما ينبغي اختيار اللغة المبسطة التي يفهمها أكبر عدداً من المتابعين، وكسر الروتين دائمًا والتنويع بالقناة وإن كانت مختصة بمجال معين، وعدم الطموح إلى الشهرة السريعة أكثر من إفادة الناس وتعليمهم شيء جديد. وبذل العناية بالجمهور بشكل دائم وتخصيص وقت للردّ على تعليقاته، والترويج للقناة بذكاء ومهارة دون تجاوز حدود اللباقة.
وتشير بعض المواقع والمصادر أن القنوات التي تتكلم عن الاقتصاد والمال والطب هي الأكثر ربحاً، ويصل عدد مشتركي بعضها لأكثر من 19 مليون مشترك، وعدد مشاهدات بعض مقاطع الفيديو قد تزيد عن 3.7 مليار مشاهدة. ورصدت أن الفيديوهات ذات المحتوى الكوميدي أو الموسيقي تحصد أكثر المشاهدات على اليوتيوب، كذلك بالنسبة للقنوات المخصصة للأطفال والشباب، فإنها تحظى بمشاهدات أكثر بآلاف المرات من محتوى (الاقتصاد، السياسة، الموسيقى)، فقنوات الموسيقى والترفيه تحصل على 1000 دولار مقابل مليون مشاهدة، بينما الموضوعات الأخرى، يمكن أن تحصل إلى حد 10 آلاف دولار مقابل مليون مشاهدة.
وعلى وفق موقع “skudoum“، فقد أجرى دراسة كشف فيها عن مقدار الربح من اليوتيوب لمليون مشاهدة في بلدان مختلفة، وهي كالتالي: الولايات المتحدة 373,12$، الهند 157,04$، روسيا 215,72$، أوكرانيا تتراوح بين 10,65$ و93,74$.
وبذلك يكون اليوتيوب قد وفر فرصةً للجميع ليقدموا من خلال منصته ما بجعبتهم من إبداعات مع عرضها ومشاركتها مع العالم.
وبالتأكيد هناك يوتيوبرز عربي، شأنهم شأن جميع بقع العالم المتأثرين بهذه التقنية، فأنشأوا قنوات خاصة بهم، يقدمون من خلالها محتوى، قد يعود عليهم بالمال فيما لو حظي بمشاهدات كثيرة!
وبمتابعة وجولة استشكافية بين قنوات الفيديوهات سيتضح مدى ضعف المحتوى العربي! فأغلب القنوات النسائية العربية قد حددت نفسها في زاوية المكياج والطبخ والموضة أو الانحسار بالهجوم على تلك الشخصية النسوية أو هذه، أما القنوات الرجالية فحدث ولا حرج، فأغلبها تخصصت بمهمة نقد الأغاني والتشهير والاستهزاء والسخرية، بأسلوب ساذج بعيد عن المهنية أو الذوق عبر تصوير أقل ما يقال عنه أنه بيد غير احترافية!
فأغلب اليوتيوبرز العربي، الشباب والفتيان تحديداً، أخذوا على عاتقهم مهمة النقد الفنّي الذي يغلب عليه طابع السخرية، فتكفلوا دون دراسة أكاديمية أو خبرة عملية برصد كل شاردة وواردة من الأغاني الهابطة والرقص الخليع.. مع عرض لقطاتٍ فاضحة من الفيديو مورد النقد بالطبع؛ لرفع نسب المشاهدات.. ولا يخفى أن نقدها من قبلهم ليس خوفاً على فساد الذوق الفني أو انهيار المنظومة الأخلاقية بل لرفع نسب المشاهدات وكما أسلفنا.
والأدهى من ذلك أن سرقة المحتوى فنّ رائج بينهم، فتجد الفنان الضحية قد استهدف من أغلبهم وفي أوقات متقاربة، محرزاً صدى وشهرة حلم بها.
كما أهتم بعض اليوتيوبرز العربي بالنقد اللاذع لمقدمي برنامج “الميوزكلي”. والميوزكلي (musically) للذي لا يعرفه هو برنامج لصناعة الفيديوهات والمراسلة وتصوير الأغاني، أطلق في آب/ أغسطس 2014. ومن خلال التطبيق يمكن للمستخدم صناعة فيديو. فوجد صانع الفيديو العربي ضالته في الميوزكللي، كمادة دسمة لمحتواه، في دلالة لإفلاسه الفكري والمعرفي.
وبالتأكيد لا يمكن تجاهل ذلك المحتوى الذي يبث سموم الطائفية والعنصرية، ليس خوفاً وغيرة على الدين والمذهب والعرق بقدر نيل أكبر قدر من المشاهدات وجني الأرباح.
وليس بمستغربٍ أن يعمد بعض صانعي المحتوى العربي بإيهام المشاهدين بعناوين رنانة لا تمت بصلة للمحتوى الحقيقي الذي صور على عجالة ولا يقدم فائدة لمشاهديه..
وبلا شكّ هذا الأفق الافتراضي اتّسع لعدد قليل من القنوات الجادة والعلمية التي خطت خطوات راسخة في مجال التثقيف والتوعية، وعلى الرغم من قلّة المشاهدات والمتابعين إلا أنّها تقدم محتواها المفعم بالرصانة والمستحكم في مادته، كتلك الخاصة بملخصات كتبٍ أو محتوى ثقافي أو تاريخي أو وثائقي، ونالوا أصحابها قسطاً من الشهرة والمتابعة على نطاق واسع في العالم العربي، بلا استجداء الضغط على زر الأعجاب أو تفعيل الجرس.

 

آخر الأخبار